حجم الخط:

[تأثير وسائل الإعلام على المجتمع]

الإعلام جزء من البناء الاجتماعي

أما بالنسبة للمجتمع نفسه- بصفة عامة- فإن هناك مجموعة من المبادئ والمسلَّمات يتفق عليها دارسو الاتصال ووسائل الإعلام، من حيث ارتباط وسائل الإعلام بالمجتمع، وهو ما يمكن صياغته في الآتي: (وسائل الإعلام هي جزء من البناء الاجتماعي يرتبط تطورها بتطور المجتمع، كما تعكس أيديولوجيتها وفلسفتها أيديولوجية المجتمع وفلسفته، وهي وإن اقتربت من مراكز السلطة والنفوذ بالمجتمع فإن أداءها لوظائفها وأدوارها يختلف بحسب طبيعة المجتمعات، سلطوية كانت أم تحررية، وهو ما يجعل هذه الوسائل ذات أدوار مختلفة)[1].

وتلفت الصياغة السابقة نظرنا لعدة نقاط، هي:

· وسائل الإعلام جزء من البناء الاجتماعي، بمعنى: أنها تنضم للنظم المختلفة داخل المجتمع؛ لتساهم بشكل كبير في بنائه، ولا يمكن فهم دور وسائل الإعلام ووظائفها فهمًا دقيقًا دون التطرق إلى المجتمع بنظمه المختلفة، وهو ما يؤدي إلى استكشاف العلاقات والروابط بينها وبين أجزاء المجتمع[2].

والداعية هنا يستفيد من فهمه لهذه النقطة، ليعمل الجهد الإعلامي الذي يقوم به متناسقًا مع الجهود الأخرى التي يمارسها في الدعوة وداعمًا لها، ولن يفلح العمل الإعلامي وحده في تحقيق أهداف الدعوة كلها، ولكن لا بد من جهود أخرى على أرض الواقع ويكمل تلك الجهود ويبرزها الجانب الإعلامي.

 

تطور الإعلام مرتبط بتطور المجتمع

 

· يرتبط تطور وسائل الإعلام بتطور المجتمع، فتطور استخدام المجتمع واعتماده على وسائل الإعلام يواكب دائمًا التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بالمجتمع الذي تعمل فيه (متوسط دخل الفرد- الدخل القومي- نسبة التعليم- مشكلات اجتماعية خاصة أو عامة- نظم السياسة وتداول السلطة).. وحين نحلل وسائل الإعلام أو نخططها في مجتمعٍ ما يجب أن ندرس واقع الشعوب وأوجه التطور في الجوانب الأخرى.

كل هذا يفيد في التخطيط الإعلامي الدعوي؛ ليعرف الإعلامي أين يقف في هذا المجتمع؟ وكيف يتناول القضايا؟ بحيث يرفع معاناة المجتمع ويزيد من إنتاجه ويدفع باتجاه الإصلاح والتنمية.

 

العلاقة بين أيديولوجيا الإعلام وأيديولوجيا المجتمع

 

· أيديولوجيا الإعلام وأيديولوجيا المجتمع: يفترض الباحثون في الاتصال أنه يجب أن تتناسق أيديولوجيا الإعلام مع أيديولوجيا المجتمع، وأن خطًّا واحدًا يجب أن يُنتهج ليسُوق وراءه الخط السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، كما يحدد ذلك موقف الدولة من الاتصال وأدواره ووظائفه التي تتكامل مع سائر المؤسسات بها[3].

لكني هنا لا أسلم بتلك الفرضية بشكل مطلق، وإلا أصبح الإعلام بُوقًا وأداة في يد صناع القرار يسوقون به المجتمع، دون أن يكون للحرية وللمسؤولية الأدبية للقائمين على وسائل الاتصال دورًا في توجيه المجتمع وتنمية وعيه.

وبكل حال فإن من يخطط للإعلام الدعوي ينبغي أن ينظر بتجرد إلى القيم الأيديولوجية للدولة ومدى قربها أو بعدها عن المنهج الإسلامي، ثم يقرر: أي من تلك القيم الأيديولوجية يُعَد مقبولًا أو مرفوضًا، وبذا: تستقيم الأمور.

 

قرب الإعلام من مراكز القوة والنفوذ

 

· وسائل الإعلام أقرب إلى مراكز القوة والنفوذ في المجتمع: وقد سبق لنا عند تطرقنا لطبيعة المؤسسات الإعلامية أن ذكرنا تعرُّض المؤسسات الإعلامية لضغوط من قبل جهات متعددة، منها الحكومات، حيث يُنظر للوسائل الإعلامية على أنها ذات أثر كبير في المجتمع، فتسعى الحكومات للتدخل المباشر وغير المباشر في العمل الإعلامي، وتحديد القائمين عليه والاطمئنان إلى الثقة في انتمائهم لهم وإغرائهم أو تهديدهم أحيانًا، كما أنهم يستخدمونهم في إيصال الرسائل للمجتمع، فهناك دائمًا صلات بين مراكز القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع.. ووسائل الإعلام.

وهناك حاجة لرجال الحكم والتأثير إلى استخدام وسائل الإعلام؛ لتضفي عليهم مكانة اجتماعية وهَيْبة من خلال متابعتها لأخبارهم، وهذا ليس مرفوضًا كليًّا ولا مسلمًا به كليًّا، بل يجب تقدير المصالح والمفاسد في الأمر.

وفي الوقت نفسه: تمارس وسائل الإعلام الحرة في المجتمعات المتقدمة دورًا أكبر في التأثير، تجعلها تشارك في صنع القرار وممارسة الضغط على الحكومات من أجل تحسين أدائها، وهو ما يمنحها استحقاقًا للوصف بأنها سلطة رابعة في تلك المجتمعات.

وبكل حال، فقد تخلص المجتمع إلى حد ما من التسلط الإعلامي الرسمي، بوجود إعلام غير رسمي وإعلام عالمي يتخطى الحدود، وكذلك وجود الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي، التي خففت إلى حد كبير من احتكار تسلط الدول على الإعلام، وأصبح من المستحيل تقريبًا أن يقع حدث ما في مكان ما دون أن تصل أخبار أو صور عنه من خلال وسائل الإعلام غير التقليدية.

 

أدوار متباينة لوسائل الإعلام في التأثير المجتمعي

 

· وسائل الإعلام ذات أدوار مختلفة في المجتمع: فقد تؤدي دورًا تحرريًّا، وتحقق رسالة مهمة في النقد الاجتماعي، وتشجع الأمثلة الصالحة، وتحذر مما يخالفها؛ لتصل إلى مجتمع أفضل وأطهر، لكنها قد تنتحي منحًى مختلفًا حين تُستخدَم لتزييف الحقائق وحجبها، فتكون مثل أداة قهر وخداع للجماهير[4]، وبين هذين الموقفين المتناقضين تمارس وسائل الإعلام دورها قربًا أو بعدًا من مصالح المجتمع. وما قلناه عن الوسائل غير التقليدية وقدرة الفرد على التعبير من خلالها يصلح هنا أيضًا.

والمفترض في الدعاة حين يخططون للعمل الإعلامي أن يضعوا مصلحة المجتمع قيد الاعتبار ووفقًا للمنهج الإسلامي القويم؛ فهو الذي يحدد معيار الصلاح والفساد في المجتمع، ويكون النقد الهادئ ومحاولة التغيير دون صدام هو الخيار الأفضل لأغلب وسائل الإعلام وإلا استخدمت السلطات نفوذها في التخلص منها.

لكننا نلفت النظر إلى قاعدة شرعية مهمة في تلك المسألة، وهي: لا ينسب لساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان. وشطر هذه القاعدة الأول (لا ينسب لساكت قول) هو من كلام الإمام الشافعي رحمه الله[5]. ومعنى ذلك: أنك إن لم تستطع قول الحق فلا تقل الباطل، ولكن اسكت عنه؛ فإنك بذلك معذور ولا تلام على السكوت عند العجز.

شاركنا تقيمك لجودة المحتوى
أضف ملاحظة