ولقد أظهرت دراسة (الغزو الإعلامي والانحراف الاجتماعي.. دراسة تحليليّة لبرامج الفضائيات العربية) التي أعدها الدكتور ياس خضير البياتي[1]، أن وسائل الإعلام العربية شاركت في تعميق الغزو الإعلامي الأجنبي، من خلال ما تعرضه من البرامج الغربية- وبالأخص ما يسمى ببرامج (تليفزيون الواقع)- من دون أن تضع تلك الفضائيات بالحسبان قيم المجتمع العربي وتقاليده وأنماطه الاجتماعية، فمنذ متى تعرض الفضائيات العربية برنامجًا تقوم فكرته على عرض فتيات للزواج ومرافقة الكاميرا لهن حتى في غرف النوم؟!.
ولاحظت الدراسة من خلال الإحصائيات العلمية الجديدة، بأن برامج القنوات الفضائية العربية تقتصر على المادة الترفيهية وأفلام الجريمة والعنف والرعب والجنس، أي: إن ثقافة الصورة تطغى عليها أكثر من ظاهرة سلبية تتمثل بالاغتراب، القلق، إثارة الغريزة، الفردية، العدوانية، دافعيّة الانحراف.. وكلها مفردات تتأسس في إدراك الشباب وسلوكهم ومعارفهم، بحيث تتحول من مجرد صورة ذهنية إلى نشاط عملي عن طريق المحاكاة والتقليد وعمليات التطبيع الاجتماعي. وأن الأطفال والمراهقين والشباب يتأثرون بنتائج هذه الثقافة الإعلامية، من خلال المواد الترفيهية التي تتعارض مع التنشئة الاجتماعية العربية ومقوماتها، خاصة في إشاعة النماذج الغربية من البرامج المستنسخة، التي تحفل بأنواع فنون الإثارة الجسدية والغريزية وبمواصفات قد لا نجدها حتى في القنوات الفضائية الأجنبية؛ فمثلًا: أصبحنا نرى على الفضائيات الأغنية المصورة أو ما يسمى بـ(الفيديو كليب). وأشارت الدراسة إلى ضرورة الانتباه إلى هذه الظاهرة على أنها قد تحمل توجهات سياسية وفكرية ملغومة تريد تدمير الواقع العربي وثقافة المجتمع وقيمه.
وخرجت الدراسة بعدد من التوصيات، أبرزها: ضرورة الاعتراف بأن انفجار المعلومات والمنجزات التقنية في زمن العولمة لا يلغي الحقيقة بأن الثورة الحضارية ينبغي استيعابها وتقبلها بوعي حضاري واستيعاب ذكي، بما يجعلنا قادرين على الاستفادة منها، بمعنى: اقتناء المفيد من المعلومات والبرامج، وأخذ ما يتناسب مع واقعنا العربي، إضافة إلى أهمية وضع خطة إعلامية من قِبَل الدول العربية تأخذ مسارين: خطة إعلامية لمواجهة الغزو الإعلامي والثقافي، وخطة إعلامية لتحصين الشباب.