حجم الخط:

[من قال بجواز التكليف بما لا يطاق]:

وذهب أكثر الأشعرية إلى جواز التكليف بما لا يطاق، وزعموا أنه مذهب أهل السنة والجماعة، واختلفوا في وقوعه، فذهب بعضهم إلى أنه جائز وواقع، وذهب آخرون إلى عدم وقوعه رأفة ورحمة من الله سبحانه وتعالى، وساق الرازي في المحصول عليه أدلة كثيرة أكثرها تدل - لو سلمت - على وقوعه في الشريعة الإسلامية.

ومن قال بجواز التكليف بما لا يطاق، إن كان مراده الجواز العقلي فإننا لا ندعي أن العقل هو المانع منه بل الدليل على امتناعه الشرع.

وإن ادعوا الجواز الشرعي فهو مردود بالأدلة السابقة.

·       وأما القائلون بالوقوع شرعًا فقد استدلوا على الجواز والوقوع بأدلة منها:

1- قوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ [البقرة:286]، ووجه الدلالة: قالوا: لو لم يكن ذلك ممكن الحصول لما سألوا الله أن لا يحملهم ما لا طاقة لهم به؛ لأن الممتنع لا يشرع أن يسأل الله منعه، فلا يجوز أن تقول اللهم لا تظلمني.

والجواب من وجهين:

أ- أن المراد بما لا طاقة لهم به: الشاق، وليس المستحيل الوقوع عقلاً أو عادة.

ب- أن الله قد استجاب دعاءهم كما ثبت في صحيح مسلم أن الله قال: قد فعلت، وقد تقدم الحديث بطوله، واستجابته تدل على عدم وقوعه.

2- أن أبا لهب مكلف بالإيمان، مع علم الله جل وعلا بأنه لا يؤمن، ووقوع خلاف علم الله محال، فيكون قد كلف بالإيمان وهو محال.

وساق الآمدي هذا الدليل بوجه آخر فقال: (إن الله أخبر أن أبا لهب من أهل النار، بقوله: ﴿ سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾ [المسد:3]، ومع ذلك أمره بالإيمان بما جاء به محمد ، ومما جاء به محمد هذه الآية التي تدل على عدم إيمانه، فيكون قد أمر أن يؤمن بأنه لن يؤمن، وهذا محال).

·       والجواب من وجهين:

أ- أن هذا ليس تكليفًا بالمحال؛ لأن إيمان أبي لهب لم يكن محالاً في حياته؛ إذ لم يحل بينه وبين الإيمان حائل، وإنما منعه كبره وعناده، ومرادنا بالمحال المستحيل عقلاً أو عادة.

ب- أن الآية ليس فيها نص على أنه لن يؤمن، بل فيها أنه سيصلى النار، وقد يدخل النار المؤمن لتمحص ذنوبه ثم يخرج منها كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴿٧١﴾ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ﴿٧٢﴾ [مريم:71-72].

وقد نسب الآمدي وغيره إلى أبي الحسن الأشعري القول بأن التكاليف الشـرعية كلها مما لا يطاق تفريعًا على قوله بأن أفعال العباد مخلوقة والله خالقها، وقوله: إن القدرة على الفعل لا تتقدم الفعل.

والصحيح أنه لا يلزم على القول بأن أفعال العباد مخلوقة لله أن تكون التكاليف الشرعية مما لا يطاق؛ لأن القول بخلق الأفعال لا يناقض القول بأن العبد هو الفاعل لفعله حقيقة، فإذا أثيب أو عوقب فإنما يثاب ويعاقب على فعله. وأما قوله بعدم تقدم القدرة على الفعل فغير مسلم، والكلام فيه ليس من غرض الأصولي والفقيه، ومحله علم الكلام.

شاركنا تقيمك لجودة المحتوى
أضف ملاحظة